{يستخفون} يستترون بخيانتهم {من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم} عالم بما يخفون {إذ يبيِّتون} يُهيِّئون ويُقدِّرون ليلاً {ما لا يرضى من القول} وهو أنَّ طعمة قال: أرمي اليهوديَّ بأنَّه سارق الدِّرع، وأحلف أنِّي لم أسرق فيقبل يميني؛ لأنِّي على دينهم {وكان الله بما يعملون محيطاً} عالماً، ثمَّ خاطب قوم طعمة فقال: {ها أنتم هؤلاء جادلتم} خاصمتم {عنهم} عن طعمة وذويه {في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} أَيْ: لا أحد يفعل ذلك، ولا يكون في ذلك اليوم عليهم وكيلٌ يقوم بأمرهم ويخاصم عنهم، ثمَّ عرض التَّوبة على طعمة وقومه بقوله: {ومَنْ يعمل سوءاً} معصيةً كما عمل قوم طعمة {أو يظلم نفسه} بذنبٍ كفعل طعمة {ثم يستغفر الله...} الآية. ثمَّ ذكر أنَّ ضرر المعصية إنَّما يلحق العاصي، ولا يلحق الله من معصيته ضررٌ، فقال: {ومَنْ يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً} بالسَّارق {حكيماً} حكم بالقطع على طعمة.{ومَنْ يكسب خطيئةً} ذنباً بينه وبين الله تعالى. يعني: يمينه الكاذبة أنَّه ما سرق {أو إثماً} ذنباً بينه وبين النَّاس. يعني: سرقته {ثمَّ يرمِ به} أَيْ: بإثمه {بريئاً} كما فعل طعمة حين رمى اليهوديَّ بالسَّرقة {فقد احتمل بهتاناً} برمي البريء {وإثماً مبيناً} باليمين الكاذبة والسَّرقة.{ولولا فضلُ الله عليك ورحمته} بالنبوَّة والعصمة {لهمَّت} لقد همَّت {طائفة منهم} من قوم طعمة {أن يضلوك} أَيْ: يُخطِّئوك في الحكم، وذلك أنَّهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجادل عنهم ويقطع اليهوديَّ {وما يضلون إلاَّ أنفسهم} بتعاونهم على الإِثم والعدوان وشهادتهم الزُّور والبهتان {وما يضرونك من شيء} لأنَّ الضَّرر على مَنْ شهد بغير حقٍّ، ثمَّ منَّ الله عليه فقال: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} أَي: القضاء بالوحي، وبيَّن لك ما فيه الحكمة، فلمَّا بان أنَّ السَّارق طعمة تناجى قومه في شأنه، فأنزل الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم} أَيْ: مسارَّتهم {إلاَّ مَنْ أمر} أَيْ: إلاَّ في نجوى من أمر {بصدقةٍ} وقال مجاهد: هذه الآية عامَّةٌ للناس. يريد: أنَّه لا خير فيما يتناجى فيه النَّاس، ويخوضون فيه من الحديث إلاَّ ما كان من أعمال البرِّ، ثمَّ بيَّن أنَّ ذلك ينفع مَن ابتغى به ما عند الله، فقال: {ومَنْ يفعل ذلك...} الآية. ثمَّ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على طعمة بالقطع، فخاف على نفسه الفضيحة، فهرب إلى مكة ولحق بالمشركين.